Image Not Found

التداخل القبلي والوطني في انتخابات الشورى

مصطفى محسن اللواتي – الرؤية

تنامى في الفترة الأخيرة، ومع قرب انتخابات مجلس الشورى، خطاب لم يكن معهودا في الدورات الماضية، وإن كان له وجود في بعض النفوس؛ فقد ظلَّ حبيسها ولم يخرج للفضاء العام بالكيفية التي شاهدناها وقرأناها هذا العام.

الخطاب يدعو إلى “منع” أو “نبذ” الاختيارات الداخلية التي تجري على مستوى بعض القبائل في بعض مناطق السلطنة. ولأن تجربة قبيلة اللواتية هي الأعرق والأقدم والأكثر تنظيما من بين التجارب، وأيضا تجربة صلالة هذا العام، والتي وسعت من إطارها متجاوزة القبيلة لتحوي “قبائل” أخرى، فقد كان الخطاب في معظمه مُركَّزا على التجربتين.

في البدء، لا بد من الإشارة إلى أنَّ هذا الخطاب صحي بامتياز، وطبيعي جدا ضمن السياقات الزمنية لكل الأحداث والأفكار، كما أنه ضروري لتطوير كل فكرة وبلورتها وجعل السفينة لا تتجه في اتجاه وحيد لا ترى غيره.

عمان جمالها ليس بتنوع قبائلها وأعراقها ومذاهبها، بل جمالها في أن كل هؤلاء يعيشون مع بعضهم بكل اطمئنان وراحة. حينما تسأل في بعض الدول: كيف يعاملك أصحاب المذهب أو العرق أو القبيلة الفلانية؟ ففي أحسن الأحول سيقول لك أنني لست قلقا منهم.

العماني جوابه في العادة مختلف، سيقول لك أنا أأتمنهم على عِرضي ومالي ونفسي؛ لأنَّ مرحلة عدم القلق غير موجودة، بل العماني يعيش مع العماني الآخر حاميا وملاذا وعونا.. ومن هنا، فإن هذا النوع من الخطاب لا يجب أن يسبب “قلقا” أو “أزمة” حين نختلف معه؛ لأنه يخرج من قلوب مُحبة للبلد، تنشد الخير، ولا تنظر إلا إلى ما هو صالح لهذه التربة ولمن يعيشون عليها.

من جهتي، أرى أنَّ الاختيارات الداخلية أخذت بُعدا “بغيضا” لدى بعض الأحبة؛ لأنها أخذت اسم “الانتخابات القبلية”، ومصطلح القبيلة في تاريخنا الحديث وربما القديم حمل معاني ثقيلة قاسية غير محبوبة ولا محمودة، خصوصا لدى الشباب والطبقات المثقفة منه تحديدا؛ فأصبح كل شيء وأمر قبَلي مُثقلا بكل ما هو قبيح.

وسأضرب هنا، وبشكل سريع، بعض الأمثلة.. ومن مطرح؛ لأنني من أبنائها:

ماذا لو جاءت “حارة الشمال” أو أي منطقة أخرى بمرشح واحد بعد مشاورات واختيارات داخلية فيما بينها؟!

ماذا لو “سبلة مطرح” عقدت ندوات وأقامت مفاضلات بين مرشحيها؟ ماذا لو أن فريقا لكرة القدم أو ناديا رياضيا طرح اسم مرشح من بين عدة؟!

سيحدث هناك لغط ما، ولكن لن يكون بنفس المستوى حينما تفعل القبيلة نفس الفعل.

مصطلح القبيلة نظرا للتاريخ المرير تحمَّل ما لا يجب تحميله، القبيلة ذكرها القرآن في مورد الأمر الواقع، ولم يذمها، والقرآن ذكر الأعراق والأديان ولم يذم وجودها، إنما ذمها حينما تتحول إلى عوامل فرقة، وذمها حينما تتحول هذه الفوارق إلى مصدر تفاخر أو ذم.

لذا؛ فحين نُحاكم “فعلاً” ما، يجب أن نجرِّده مما أثقلنا أدمغتنا به؛ فالقبيلة في عُمان لم تعد مرادفة للتناحر والتعالي والقطيعة، القبيلة في عُمان هي كمجلس الآباء في المدارس، تساعد الحكومة في تنظيم أمور المجتمع، ولها شكل إداري واضح ومحدد، له قوانينه وتشريعاته في البلد.

القصد أن “القبيلة” ليست “بُعبع” نخشى منه، ولا أداة “تمترس” عند منتسبيها، ولا هي فوق “الوطن” ومصلحته عند أي عُماني.

كما أنَّ المنادين بتقليص دور القبيلة في النفوس ليسوا معاول هدم، ولا هم ينشدون تضييع مكتسبات الوطن، ولا هم ضد المجتمع، بل منطلقهم نبيل لإبراز وتأكيد حس المواطنة، وهو حالة تنمُّ عن تنامي الوعي العالي في نبذ كل فارق وهمي بين المواطنين.

ولا بد مع حركة التاريخ الطبيعية أن تتغير الأمور لتساير ما هو عليه العالم اليوم، إنما دعونا لا نقفز سريعا على هذه الحركة، ولنتركها تأخذ دورها ومسارها الطبيعي.

عودًا إلى انتخابات اللواتية الداخلية، والتي تعتبر الأبرز في أمثلتنا؛ فالانتخابات في كل مراحلها لا تفرض على أي من أبناء المجتمع أن يشارك فيها، كما أنها لا تُلزِم أي لواتي بأنْ يُصوِّت لهذا المرشح لاحقا في الانتخابات العامة.

وكما أن المجتمع غير مُلزم بالانتخاب؛ فذلك المرشح هو حر تماما أن يشارك في هذه الانتخابات الداخلية أو لا يشارك.. الفكرة في مُجملها تقليص عدد المرشحين واختيار الأفضل بينهم لتقديمه لمطرح، فيكون واحدا من مرشحي الولاية والذين سيصوت لهم كل أبناء مطرح.

التجربة أثبتت فاعليتها؛ لأنها قدمت ممثلين للولاية يحتذى بهم وبأدائهم، ولنتخيل فقط مجرد تخيل لو أن كل قبيلة في مطرح قدمت ستة مرشحين، كم سيكون عدد المرشحين؟ وكم من وقت سيحتاجه الناخب لسماع وقراءة البرامج الانتخابية، وللقاء المرشحين؟ وكم من أصوات ستضيع هنا وهناك بحكم القرابة والصداقة والمحسوبيات، وأيضا بحُكم “القبلية” و”المذهبية” وغيرها من أسس “التفاضل” التي اخترعها “الهوى” البشري.

في حين لو قدمت مختلف الفعاليات القبلية والثقافية والتجمعات المتنوعة مرشحها الأنسب أو الأكفأ، حينها ستكون النتيجة أن من سيأتي ممثلا للولاية سيكون في الحد الأدنى أقل الجيدين.

أعود وأختم: ليس الشكل الحالي للانتخابات الداخلية هو الأكمل أو الأفضل، لكنه شكل معقول لمرحلتنا، والأيام ستغيِّر وتطوِّر هذه الأشكال لما هو أفضل لعُمان وأهلها.